كتبت تقوى أحمد الواوي أن أهل غزة عاشوا عامين كاملين تحت الإبادة الجماعية التي جعلت الزمن متوقفاً، والحياة دائرة لا تنتهي من الحداد والخسارة والموت. أصوات القذائف صارت موسيقى الليل، وصرخات الباحثين عن المفقودين أيقظت الصباح، فيما خلّف كل يوم جرحاً جديداً وكل ليلة خوفاً أثقل من سابقتها.

أوضح موقع ميدل إيست آي أن العالم تجاهل طوال عامين صرخات غزة ودخانها الخانق، وترك أهلها أسرى انتظار دائم لمصير مجهول.
 

فصول من الفقدان

بدأت مآسي الكاتبة باستشهاد أقرب صديقاتها، شيماء صيدم، يوم 15 أكتوبر 2023، بعد قصف منزلها. في اليوم التالي قتلت غارة إسرائيلية صديقتها رغد النعامي مع عائلتها. ودفعتهم النكبات إلى النزوح القسري نحو بيت أختها دعاء في خان يونس، لكن الصواريخ دمّرت منزلها المؤلف من ستة طوابق في يناير 2024.

واصل القصف خطف الأرواح: لينا الحور وعائلتها في 27 أكتوبر، ميّار جودة في 31 أكتوبر، ثم أسماء جودة في مايو 2025. كما دمّرت الغارات منزل عمها فاستشهدت زوجته نيفين وطفلتها الرضيعة فاطمة، لتتحول الخسارة إلى سلسلة متواصلة يصعب احتمالها.

أعقب ذلك وقف إطلاق نار قصير يوم 24 نوفمبر 2023 لكنه انهار في مطلع ديسمبر. ومع نهاية العام، سوّت الغارات منزل جدها بالأرض، واستشهد عمها عبد السلام وطفلاه حذيفة وهالة.

نزحت الأسرة إلى رفح، حيث عاشت خمسة أشهر من القلق والبرد والازدحام. حملت الكاتبة حقيبة صغيرة بملابس قليلة، لكنها تركت وراءها جدراناً وأشياء حملت جزءاً من روحها. وصارت المفارقة قاسية: البقاء في البيت يعني مواجهة الموت، والرحيل يعني اقتلاع القلب من جذوره.
 

التعليم كأمل

في يوليو 2024 استأنفت الجامعة الإسلامية التعليم عبر الإنترنت بعد أن دُمّر مقرها، فالتحقت الطالبة بدراستها رغم الظروف. أنجزت خمسة فصول دراسية بمعدل ممتاز وأدت امتحاناتها تحت أصوات الانفجارات. كما شاركت في دورات دولية عبر الإنترنت فتحت أمامها نافذة على العالم، فتعلمت الأدب وصناعة الأفلام وفنون السرد.

أكدت التجربة أن الاحتلال يستطيع تدمير الجامعات لكنه لا يقدر على كسر الإرادة. التعليم ظل سلاحاً للمقاومة وحفظ الكرامة.
 

الكتابة كعلاج

منذ الطفولة عشقت القراءة والكتابة وشاركت في مسابقات حتى فازت بالمركز الثاني في تحدي القراءة العربي عام 2020. بعد اندلاع الإبادة تحولت الكتابة إلى علاج للنفس، والقراءة إلى ملاذ من واقع لا يُطاق.

نشرت الكاتبة أول أعمالها في فبراير 2025، وبحلول سبتمبر أصدرت 42 مقالاً و25 قصيدة، وأطلقت أول "زِين" بالتعاون مع أصدقاء من برلين. أوضحت أن الحكاية صارت وسيلة لمقاومة النسيان وحماية الذاكرة، كما عبّر الشاعر الراحل رفعت العرعير: "نحب القصة لأنها عن وطننا، ونحب وطننا أكثر بسبب القصة".
 

أثر الإبادة

بعد عامين من القصف والحصار، تغيّرت ملامح الناس في غزة بالكامل. الأرواح صارت منهكة، الضحكات فارغة، والقلوب بعيدة عن ذواتها القديمة. الحياة صارت سلسلة من الخسائر: أهل، أصدقاء، بيوت، أحلام، وحتى أجزاء من الهوية.

وصفت الكاتبة هذه الحالة بقولها إن الموت خطف الأرواح وترك الأجساد تمشي بلا روح. الناس أصبحوا غرباء عن أنفسهم، وكل ما يتوقون إليه هو ساعة واحدة من حياة طبيعية بلا خوف ولا تهجير.

لكن السؤال الجوهري بقي مطروحاً: إلى متى يُترك أهل غزة يعانون قبل أن يرى العالم بوضوح ما يجري لهم؟

https://www.middleeasteye.net/opinion/after-two-years-genocide-gaza-will-i-ever-be-same